الیله الموعوده لامیر المؤمنین علی ابن ابیطالب ع
اللیلة الموعودة:
وفی إحدى لیالی شهر رمضان لعام أربعین للهجرة، وهی لیلة التاسع عشر منه جاءت ابنته أم کلثوم وقدمت إلیه عند إفطاره طبقاً فیه قرصان من خبز الشعیر وقصعة فیها لبن وملح خشن ، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره ، فلما نظر إلیه وتأمله حرّک رأسه وبکى بکاءً شدیداً عالیاً، وقال: (( یا بنیة ما ظننت أنّ بنتاً تسوء أباها کما قد أسأتِ أنت إلیّ )) ، قالت: وماذا یا أباه ؟ قال: (( یا بنیّة أتقدمین إلى أبیک إدامین فی طبقٍ واحدٍ ؟ أتریدین أن یطول وقوفی غداً بین یدی الله عزّ وجلّ یوم القیامة أنا أرید أن أتّبع أخی وابن عمی رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) ما قدّم إلیه إدامان فی طبق واحد إلى أن قبضه الله ، یا بنیة ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلاّ طال وقوفه بین یدی الله عزّ وجلّ یوم القیامة ، یا بنیة والله لا آکل شیئاً حتى ترفعی أحد الإدامین )) ، فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأکل قرصاً واحداً بالملح الخشن ، ثم حمد الله وأثنى علیه وقام إلى صلاته فصلى ولم یزل راکعاً وساجداً ومتضرعاً إلى الله سبحانه ، ویکثر الدخول والخروج وهو ینظر إلى السماء وهو قلق یتململ، ثم قرأ سورة (یس) حتى ختمها، ثم رقد هنیئة وانتبه مرعوباً، ونهض قائماً وهو یقول: (( اللهم بارک لنا فی لقائک )) ویکثر من قول: (( لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلی العظیم )) وکان (علیه السلام) قد رأى فی هذه اللیلة رؤیا حدّثت بها ابنته أم کلثوم حیث قال لأولاده: (( إنی رأیت الساعة رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) فی منامی وهو یقول لی: یا أبا الحسن إنک قادم إلینا عن قریب، یجیء إلیک أشقاها فیخضب شیبتک من دم رأسک ، وأنا والله مشتاق إلیک وانک عندنا فی العشر الآخر من شهر رمضان)) .
قال فلما سمعوا کلامه ضجّوا بالبکاء فأقسم علیهم بالسکوت , ثم أقبل یوصیهم ویأمرهم بالخیر وینهاهم عن الشر ثم صلى حتى ذهب بعض اللیل , ولم یزل تلک اللیلة قائماً وقاعداً وراکعاً وساجداً، ثم یخرج ساعة بعد ساعة یقلب طرفه فی السماء وهو یقول: (( والله ما کذبت ولا کذبت ، وإنها اللیلة التی وعدت بها )).
- ۹۵/۰۴/۰۵